قال النبيُّ صلي الله وعليه وسلم :
"مَن قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه؛ غفر اللهُ له، وإن كان فرَّ من الزحف "
رواه الترمذي وصححة الألباني
الحديث :
حديثَ بلال بن يسار، عن أبيه، عن جدِّه، وهو زيد مولى النبي ﷺ، وليس زيد بن حارثة، وإنما هو زيد بن بولا، وهو من أهل النوبة، وقد أعتقه النبيُّ صلي الله وعليه وسلم، يقول النبيُّ صلي الله وعليه وسلم :
مَن قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه؛ غفر اللهُ له، وإن كان فرَّ من الزحف.
درجة الحديث :
هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال الترمذي:"غريبٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه،وقال المنذري:"إسناده جيدٌ مُتَّصلٌ"، وصححه الشيخُ ناصر الدين الألباني-رحم الله .
معني الحديث لابن باز
هذا جاء عن النبي صلي الله وعليه وسلم، والمعنى لو صحَّ أنه إذا كان تاب توبةً صحيحةً، فالإنسان إذا استغفر باللسان ما يصير توبةً، التوبة تكون مع إقلاع القلب وندمه وعدم إصراره، فإذا تاب توبةً صادقةً محا الله ذنوبه كلها سبحانه، فالتوبة يمحو الله بها الذنوبَ كلها.
شرح الحديث :
يقول: مَن قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم ، فقوله:
( أستغفر الله) : يعني: أطلب مغفرته،
والمغفرة تعني: التَّجاوز، وعدم المؤاخذة، بالإضافة إلى السّتر، فلا يفتضح.
(أستغفر الله العظيم ):السين والتاء للطلب: أطلب مغفرته،
(الذي لا إله إلا هو): هذا توسّل إليه بتوحيده -تبارك وتعالى،وهذه الكلمة أشرف كلمةٍ، وأنها مفتاح الجنة، وأنها متضمنة للنفي والإثبات:
(لا إله ) :نفيٌ لكل معبودٍ سوى الله تبارك وتعالى،
(إلا الله) : إثبات الوحدانية له تبارك وتعالى،
(الحيّ) : ذو الحياة الكاملة التي لم تُسبق بعدمٍ، ولا يلحقها عدمٌ، ولا يعتورها نقصٌ
و (القيّوم ) :هو القائم بنفسه، المقيم غيره، هو الذي يُقيم خلقَه بما يكون من أنواع القيام، يقوم عليهم بآجالهم، وأرزاقهم، وأعمالهم، ورزقهم، فهو المدبّر شؤونهم، الذي لا تخفى عليه من أمرهم خافيةٌ.
وقوله:(الحيّ القيّوم )هنا
يمكن أن يكون بالنَّصب:
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم يكون ذلك عائدًا إلى لفظ الجلالة،
ويمكن رفعه:"الحيُّ القيوم"، فيكون بدلًا من الضَّمير:
لا إله إلا هو الحيّ القيوم، أو خبر مُبتدأ محذوف على المدح، يقول:إنَّ مَن قال ذلك، ولم يُقيّده بعددٍ،
قال: (وأتوب إليه) ؛ غفر اللهُ له، وإن كان فرَّ من الزحف، المغفرة يحتمل أن تكون من الصَّغائر، دون الكبائر، ويحتمل أن تكون من الصَّغائر والكبائر.
فقوله صلي الله وعليه وسلم : (غفر اللهُ له، وإن كان فرَّ من الزحف) :
الفرار من الزحف يعني: يفرّ من صفِّ القتال إذا تقابل الصَّفان والجمعان، فهذا الجيش في سيره؛ لكثرة عدد الجنود الذين ينتظمهم هذا الجيش كأنَّه يزحف، كأنَّ سيرهم من قبيل الزحف والدَّبيب، فالأشياء الكثيرة والجموع الغفيرة تُرى من بعيدٍ، يراها النَّاظر من بعيدٍ كأنها تزحف، كأنها تسير ببطءٍ.
تصور لو أنَّك ترى جيشًا يملأ الأرض، فتنظر إليه من بعيدٍ؛ فإنَّ مشيته تكون في غاية البُطء، فيُقال لذلك: الزحف.
فهؤلاء يزحفون إلى عدوهم، أو يمشون، فذلك حينما يتواجه الجمعان، ويلتقي الصَّفان؛ فإنَّه لا يجوز الفرار، والله
يقول: "وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"
[الأنفال:16].
فهذا الوعيد الشَّديد يدلّ على أنَّ الفرار من الزحف من الكبائر، بل جاء في السّبع الموبقات: الفرار من الزحف ،والسّبع الموبقات هي أعظم الذنوب والجرائم، وأكبر الكبائر: الفرار من الزحف، فذكره النبيُّ صلي الله وعليه وسلم؛
هنا، فما دون الفرار من الزحف يكون من باب أولى أنَّه يُغفر إذا قال ذلك، لكن هذا ما حمله؟
هل ذلك حينما يقوله بطرف لسانه، دون أن يحضر قلبه، أو أن يستحضر التوبة؟
الأمر ليس كذلك، وإنما لا يكون ذلك للمُصرين على الذنوب، الذين يقولونه وهم لا يقصدون بذلك التوبة، يقول: أستغفر الله، وأتوب إليه وهو عازمٌ على مُواقعة الذنب، مُصرٌّ عليه، لم يندم على فعله، فهذه ليست بتوبةٍ.
فهذا الحديث حينما يقوله المؤمنُ، يقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم، وأتوب إليه،
فهو يتوب، ومَن تاب تاب اللهُ عليه، فالتوبة تجُبّ ما قبلها: تقطعه، تمحوه، فيبدأ بصفحةٍ جديدةٍ، ويستأنف العمل من جديدٍ، كأنما ولدته أُمُّه من جديدٍ، فهذا ليس عليه خطيئة إذا كانت توبتُه عامَّةً، التوبة الصَّحيحة المستوفية للشروط، فهذا تُغفر له جميع الذنوب: الكبائر، والصَّغائر، وليس مجرد القول باللِّسان.
ثم أيضًا هذا الحديث فيه فائدةٌ أخرى، وهي:
صيغة الاستغفار والتوبة: أستغفر الله، وأتوب إليه،
كيف يقولها؟
كما جاء في الحديث، النبي صلي الله وعليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ، ويقول: يا أيّها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مئة مرة ،
ماذا كان يقول عليه الصلاة والسلام ؟
هذه صيغة، يعني: يمكن للإنسان أن يقول: أستغفر الله، وأتوب إليه، فيكون قد حقق المراد، ولكن الأكمل من هذا أن يقول ماجاء عن النبي صلى الله وعليه وسلم: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم، وأتوب إليه، فهذه من أكمل صيغ الاستغفار والتوبة، فيقولها المؤمنُ، ويُرددها في اليوم كثيرًا: عشرات المرات، بل مئات المرات.
..... ...... .....
خواطر وإضاءات علي الحديث :
مَن قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه؛ غفر اللهُ له، وإن كان فرَّ من الزحف
ورد في فضله حديث رواه الحاكم وغيره في الحث على هذه الكلمات:
استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه الإكثار منها فيه فضل عظيم، ومن أسباب غفران الذنوب لمن صدق في ذلك، وتاب إلى الله ، وهو استغفار عظيم لكن إنما يحصل هذا الفضل العظيم لمن تاب توبة صادقة، لهذا قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
والتوبة الصادقة تشتمل ثلاثة أمور، تشتمل على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الإقلاع من الذنوب وتركها طاعة لله وتعظيماً له.
الأمر الثاني: الندم على ما مضى منها، والأسف والحزن على ما مضى منه.
الأمر الثالث: العزيمة الصادقة ألا يعود فيها، فإذا تاب هذه التوبة كفر الله خطاياه مطلقاً كبيرة أو صغيرة.
وهناك شرط رابع: إذا كانت المعصية تتعلق بحق المخلوقين فلا بد من رد الحق إلى أهله، إذا كان دين أو ظلامة يعني أخذ مال من إنسان أو سرقة أو ما أشبه ذلك لا بد من رد المال إلى مستحقه أو تحلله من ذلك.
والحاصل أن من تمام التوبة في حق المخلوقين أن يعطيهم حقهم أو يتحللهم من ذلك، فإذا سامحوه سقط حقهم، فلا تتم التوبة من حق المخلوقين إلا بإعطائه حقه أو استحلاله
وإيضاُ ينبغي للمسلم أن يحافظ على ألفاظ الذكر والدعاء الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يزيد فيها ولا ينقص ، ولا يغير فيها كلمة.
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ.
قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ.
طقَالَ: لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ )
رواه البخاري (247) ومسلم (2710).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" واختار المازري وغيره أن سبب الإنكار : أن هذا ذكر ودعاء ، فينبغي فيه الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه ، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف . ولعله أوحي إليه صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات ، فيتعين أداؤها بحروفها .
وهذا القول حسن " انتهى. من "شرح صحيح مسلم" (17 / 33).
وقال الحافظ ابن حجر_ رحمه الله :
" وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي : أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري " انتهى من "
فتح الباري" (11 / 112).
ثانيا:
عن أَبِي عُمَر بْن مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ ابْنَ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ مولى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ )
رواه الترمذي (3577).
وقد وردت لفظة "العظيم" في النسخة المطبوعة لسنن الترمذي التي بدأ تحقيقها الشيخ أحمد شاكر ولم يكملها.
لكن لم تثبت هذه اللفظة في النسخ المخطوطة التي اعتمد عليها في تحقيق سنن الترمذي، وإنما وردت في نسخة مخطوطة متأخرة - فرغ منها ناسخها في سنة 1242 هـ كما أرشد إلى ذلك عصام موسى هادي ، محقق سنن الترمذي طبعة دار الصديق في الصفحة (1058).
ولا نعلم :
هل الناسخ أثبت هذه اللفظة اعتمادا منه على نسخة موثوقة لسنن الترمذي، أم كان تصرفه هذا مجرد وهم وسبق قلم؟
ولذا لم يثبتها بشار عواد معروف في تحقيقه لسنن الترمذي (5 / 536).
وكذا لم تثبت في طبعة الرسالة (6 / 174).
ومما يؤكد عدم ورودها في سنن الترمذي، أن شيخ الترمذي الذي روى عنه هذا الحديث وهو محمد بن إسماعيل البخاري، قد روى هذا الحديث في "التاريخ الكبير" (3 / 379 - 380) ولم يذكر فيه لفظة "العظيم".
وكذا رواه أبو داود في "السنن" (1517) و ابن سعد في "الطبقات" (7 / 66) وابن أبي خيثمة في "التاريخ" (2 / 692 السفر الثاني) بنفس إسناد البخاري ولم يثبتوا لفظة "العظيم".
فالحاصل :
أن لفظة "العظيم" ليست ثابتة ، في هذا الذكر ، في سنن الترمذي.
لكن وردت في حديث عبد الله بن مسعود في النسخة المطبوعة لمستدرك الحاكم جاء فيها عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ ) "المستدرك" (1 / 511).
لكن الحاكم أخرجه في مكان آخر في المستدرك من غير هذه اللفظة وذلك في (2 / 117 – 118).
ولهذه القرينة ، ولقرائن أخرى رجح الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بأن لفظة "العظيم" مقحمة من بعض النساخ وليست ثابتة في الحديث؛
حيث قال:
" (تنبيه) : لفظة "العظيم" المشار إليها بنقط في حديث الترجمة لم ترد عند السيوطي في "الجامع الكبير"، وقد عزاه للحاكم، فينبغي التثبت منها، لاسيما ولم أرها في شيء من الروايات الأخرى على ضعفها.
... وأما لفظة "العظيم"، فقد بدا لي أنها مقحمة من بعض النساخ للأمورالتالية:
_ أولا: أنها لم تذكر في "الجامع الكبير" كما تقدم.
_ ثانيا: لم تذكر أيضا في " الرياض "، وقد عزاه للحاكم كما تقدم.
_ ثالثا: أنها لم تذكر أيضا في الموضع الثاني من
" المستدرك ". والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى. "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 511 - 512).
وكذا لم يثبتها الحافظ ابن حجر في "اتحاف المهرة" (10 / 438)، ولم ترد كذلك في نسخة "المستدرك" ، طبعة دار التأصيل (3 / 43).
ومما يؤكد أنها مقحمة، أن البيهقي روى هذا الحديث عن الحاكم ، من هذه الطريق ، في كتابه "الدعوات"
(1 / 235) ولم يثبتها؛
حيث قال رحمه الله :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ الصَّيْرَفِيُّ، بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، ثَلَاثًا، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ ) .
وكذا لم ترد في كتاب "مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم" لابن الملقن (1 / 416).
فالحاصل؛
أن لفظة "العظيم" غير ثابتة في نص هذا الاستغفار.
_ و تقصيرنا الواضحمع الله ؛ أدى فيما أدى إليه، من ذهاب بعض بلاد المسلمين، وحصول تداعي أعداء الله علينا، إن المخرج الصلح مع الله تعالى، ولابد للمسلمين اليوم من أن يؤبوا إلى ربهم، وأن يصلحوا فيما بينهم وبينه، هذا القحط، والجدب، واحتباس المطر، وانقطاع الغيث، أليس تذكرة من الله؛
لنرجع إلي الله تائبين مستغفرين؟
والاستغفار الاستغفار، العودة إلى الله:
" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ "
[سورة آل عمران:135]،
ونحن لا نخلوا من المعاصي والتقصير، فنحن في حاجة إذًا إلى التوبة، والاستغفار ليس شيئًا باللسان يقال: فقط.وإنما هو يقع في القلب،
ومن قال بلسانه:
استغفر الله، وهو غير مقلع بقلبه فهو داع بلسان، لكن القلب غير حاضر، ولذلك فإن استغفاره يحتاج إلى استغفار، طلب المغفرة: وقاية شر الذنوب مع سترها، وإذا غفر الله لعبد فقد وقاه شر ذنبه، وغطى عنه ذلك الذنب، وهو سؤال للرب تعالى، وطلب بعد رؤية قبح المعصية، والاعراض عنها، والله يذكر عباده بالشدائد، وما يحدث لنا اليوم شدائد،
وقع الزلزال في زمن عمر بن عبد العزيز؛
كتب إلى عماله في البلدان، أمرهم أن يأمروا المسلمين بالتوبة إلى الله، والضراعة،
والاستغفار من ذنوبهم، إنه استغفار فيه لجوء إلى الرب، والله لا يعذب القوم المستغفرين، كما قال:
" وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "
[سورة الأنفال:33]،
الاستغفار: استصلاح القول الفاسد قولًا وفعل،
الاستغفار: الطلب، طلب المغفرة من الغفار، ومن أسمائه أيضًا الغفور :كثر ستره لعباده، وتجاوزه عن خطاياهم، والعبد أحوج شيء إلى الاستغفار؛
لأنه يخطئ بالليل والنهار طلب إقالة العثرات:
"غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ"
[سورة غافر:3].
الاستغفار من أعظم الطاعات وأنفع القربات
إنه من أعظم الطاعات وأنفع القربات الاستغفار، ختام الأعمال الصالحة مع كونها صالحة، فتختم الصلوات بالاستغفار، وقيام الليل بالاستغفار،
وكذلك في الحج:
" ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ " [سورة البقرة:199].
وختام المجالس الاستغفار،
الاستغفار بالأسحار بعد قيام الليل في الطاعات أيضًا، وليس في المعاصي فقط؛ لأن العبد لا يخلو من التقصير،
وأما إذا ظلم نفسه، فإنه يستغفر ربه: ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [سورة آل عمران:135]،
وقد أمرنا الله تعالى به فقال:
" وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "[سورة المزمل:20]،
" أَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ " [سورة هود:3]،
" فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ "[سورة فصلت:6]،
وكذلك أمر الأنبياء أقوامهم:
" وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ "
[سورة هود:52]،
كما قال هود لقومه، وكذلك قال صالح :
" يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ "
[سورة هود:61]،
وقال شعيب لقومه:
" وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ "[سورة هود:90]،
وقال النبي صلي الله وعليه وسلم : {يا عائشة، إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار ، ندم بالقلب مصحوب باستغفار اللسان طلب المغفرة من الله.
إن هنالك أناسًا يأتون يوم القيامة في غاية السرور والحبور لماذا؟
قال صلي الله وعليه وسلم : "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرا " رواه ابن ماجة
وهو حديث صحيح،
بل وإيضاً إن الرجل لترفع درجته في الجنة ؛
فيقول: أنى هذا؟ من أين لي هذا؟ لا يراه في عمله، فيقول: أنا هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك ؛
وهو حديث حسن.
وكذلك قال صلي الله وعليه وسلم : من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر من الاستغفار، فهنيئًا إذًا للمستغفرين، وهنيئًا لآباء المستغفرين الذين يستغفرون لهم.
وأيضاً النبي صلي الله وعليه وسلم وهو العليم بأحوال النساء
قال: " يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار "
إن الاستغفار ينتج عملًا عظيمًا، ويغفر الذنب الكبير، قال صلي الله وعليه وسلم : " من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف ".
إن الفرار من الزحف كبيرة ؛ لكن الاستغفار يرفع ذلك كله، من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه،
كلمات جامعات، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف كلما أذنب استغفر ربه؛
لأنه يعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب يغفر: هذا رجاء، يأخذ:
هذا خوف، فهو جامع بين الخوف والرجاء، كلما أذنب ذنبا استغفر ربه؛ لأنه يعلم، ويؤمن، ويوقن، بأن الله يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب..
ولذلك فإن الله يغفر له ذنبه، وهو ينزل إلى سماء الدنيا ليقول للعباد: هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح.
والنبي صلي الله وعليه وسلم إمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا، وأعظم الأمة، وأعبد العباد قال: إنه ليغان على قلبي، ليغان من الغين، والغين بمعنى واحد: ما يتغشى القلب، ما يغطيه، ما يغان على قلبي، وإني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة، هل النبي صلي الله وعليه وسلم يفعل المعاصي ليغان على قلبه؟
لا، لكن قالوا: بما يشتغل به من مصالح أمته، والمباحات أحيانًا، وما يكون من محاربة العدو، وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك يشتغل به عن علي المقام، فيراه ذنبًا بالنسبة إلى عظيم منزلته مع أن هذه الأمور من الطاعات، لكن لما كان صلي الله وعليه وسلم قلبه مشغول دائمًا بالحضور مع الله، ومراقبة الله، وهو يذكر ربه، وهو مع ربه، فتأتي هذه الأمور التي هي من الطاعات لكن فيها اشتغال بالتفكير في العدو، التفكير بتأليف المؤلفة قلوبهم، ونحو ذلك من مصالح الأمة التي يفكر بها فيعتبر أن هذا الانصراف عن الحضور، حضور الذهن والقلب مع الله إلى اشتغال القلب والذهن بمصالح الأمة؛ يعتبره غينًا على قلبه ...
وكذلك المؤمن لا يقنط أبدًا من رحمة الله
لإن مغفرة الله عظيمة يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء عنان السماء ارتفاع كم؟
لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي؛
لأن الله لا يعجزه شيء؛
لأن الله لا يثقل عليه شيء، لا يصعب على الله شيء يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، إن الاستغفار لجوء العبد إلى الله؛
ولذلك لو كان الصحابة لا يذنبون لذهب الله بهم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم، فالله يريد من العباد أن يستغفروه، يريد منهم أن يلجأوا إليه، يريدهم أن يطلبوا منه المغفرة:
" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ"
[سورة الأحزاب:35]
هؤلاء في الخشوع، والتصدق، والصيام، وحفظ الفرج، وذكر الله؛
لأن الله أعد لهم مغفرة، هؤلاء الله يغفر لهم على أعمالهم هذه هؤلاء الله يوفقهم لأنهم من المستغفرين بالأسحار:
"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "
[سورة الأنفال:33]
يقول أبو موسى: كان فيكم أمانان:
"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ "
[سورة الأنفال:33] .
هذا الأمان وجود النبي في الأمة:
"وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "
[سورة الأنفال:33] هذا الأمان الثاني، الاستغفار،
قال: أما الأمان الأول زال بوفاة محمد صلي الله وعليه وسلم ،
قال: وأما الاستغفار فهو كائن بينكم إلى يوم القيامة، فبقي الاستغفار معنا، فإذا ذهب هلكنا، هذا الاستغفار الذي يعوض النقص.
قال أبو هريرة: الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يرقعه، من اغتاب خرق، ومن استغفر رقع.
الإنسان تقع منه أشياء، تختلف به الأحوال، وتتقلب..الاستغفار هو الاستغفار الحقيقي الذي فيه الندم، والإقلاع عن الذنب،
أما استغفار بلا إقلاع ؛قال العلماء: توبة الكذابين.
سئل سهل عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب قال:
أول الاستغفار الاستجابة، ثم الإنابة، ثم التوبة، فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب،
والتوبة: الإقبال على المولى؛ رجاء أن يغفر له ما فعل، القرآن يدلنا على الداء والدواء، الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، ما جاور عبد في مقبره من جار أحب من الاستغفار.
قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة..
قال ابن دينار: "كان الأبرار يتواصون بثلاثة: بسجل اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة"
أي: عدم مخالطة الخلق إلا فيما ينفع..
قال بكر: أنتم تكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفار سره مكان ذلك، إذا رأيت بين كل سطرين في صحيفتك استغفارًا، فأنت لا تفعل شيئًا إلا وتستغفر بعده إن كانت طاعة استغفرت من التقصير من العجب من الريا، وإن كانت معصية استغفرت منها؛ لئلا يعاقبك.
ومن فوائد الاستغفار ؟
سبب لتنزل الخيرات والرحمات
جاء سفيان إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال: لا أقوم حتى تحدثني قال: أنا أحدثك وما كثرت الحديث لك بخير يا سفيان: إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها، فأكثر الحمد والشكر، فإن الله قال:" لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ "
[سورة إبراهيم:7]، يا سفيان: إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، فإن الله قال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [سورة نوح:10، 11]،
يا سفيان: إذا حزبك أمر من سلطان، أو غيره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنة.
إبليس أهلك الناس بالمعاصي وبأي شيء يهلكونه بالاستغفار،
وقال الأعرابي: من أقام في أرضنا فليكثر من الاستغفار، فإن مع الاستغفار القطار، وما هو القطار: السحاب العظيم القطر.
الاستغفار الذي يحل عقدة الإصرار هذا فائدة عظيمة للاستغفار.
الذين يصرون على المعاصي كيف حل عقدة الإصرار هذه؟ الاستغفار الاستغفار، ولذلك من كان قلبه مصرًا على المعصية فاستغفاره يحتاج إلى استغفار.
ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-:
"أيهما أنفع للعبد التسبيح أم الاستغفار؟
قال: إذا كان الثوب نقي فالبخور أنفع له، وإذا كان الثوب دنسًا فالصابون أنفع له".
فإذا كانت الثياب متسخة إذا كانت المعاصي فالاستغفار هنا بالنسبة للعبد مقدم، والجمع بينها خير وهو السنة ..
وكذلك أيضاً العبد بين ذنب ونعمة لا يصلح ذلك إلا الحمد والاستغفار، فيحمد ربه على النعمة، ويستغفر ربه من الذنب، الاستغفار طاعة لله، الاستغفار سبب مغفرة الذنوب:
" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا "
[سورة نوح:10]
الاستغفار سبب نزول الأمطار:
" يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا "[سورة نوح:11]
الاستغفار مدد بالمال والبنين:
" وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ "
[سورة نوح:12]
" اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا "
[سورة نوح:10]
هذه الفائدة
_ الأولى للاستغفار يغفر الذنوب
_ ثانياً: نزول الأمطار
" يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا "
_ثالثاً: الرزق بالأموال:
" وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ "
_ رابعاً : الذكور من الأولاد الذين تشتهيهم النفوس يريد ذكرًا، ولذلك قال: وَبَنِينَ ، ولم يقل وأولاد؛ لأن الأولاد يشمل البنين والبنات، والنفوس تهفو للبنين،
قال: " وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ "
_خامساً : دخول الجنة:
" وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات "
_سادساً :قوة بدنية، قوة السلاح،القوة بجميع أنواعها
" وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ "،
_سابعاً : المتاع الحسن:
"يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا"
ثامناً : دفع البلاء والعذاب:
" وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "
إنها أسباب تدفع للحرص على هذه العبادة ألا وهي عبادة الأستغفار .
فلنستغفر...