فضل العلم


مقدمة:


العلم أشرف منال وأعظم مبتغى ، وبتحصيله تمام المنة ، وبسلوك سبيله دخول الجنة ؛

روى أصحاب السنن عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ).

وطلب العلم عبادة من العبادات وقُرْبة من القُرَب ؛ قال الإمام الزهريّ رحمه الله تعالى :

( ما عُبِدَ الله بمثل العلم) . 

فإذا أخلص طالب العلم في طلبه للعلم زكى علمه ونمى وعظُمت بركته ، وإذا فقد الإخلاص فقد الخير والبركة وخسِر خسراناً عظيما . ولهذا من أهم ما ينبغي أن يعتني به طالب العلم أن يبتغي به وجه الله ، وأن يتعلم العلم متقرباً به إلى الله عز وجل.

والنية تُخرَم بأمور كثيرة وبآفات عديدة جاءت السنة بالتحذير منها ، فمن خوارم النية: الرياء والسمعة .

ومن خوارم النية : أن يُطلب العلم للترؤُّس والتصدّر ، 

ومن خوارم النية : أن يُطلب للمماراة والمباهاة . وقد ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام : أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة وذكر ثلاثة منهم :

رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ :كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ )،

وقد ثبت في سنن ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ ، وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ ، وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ ).

 وأساس العلم خشية الله ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

(ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العلم خشية الله جلّ وعلا ) .

والعلماء حقا وطلاب العلم صدقا هم أهل الخشية ، وقد قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ  [ فاطر:28 ] . ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف ولعبادته أطلب وعن معصيته أبعد .


والعلم مراتب ومنازل ينزلها طالب العلم منزلاً منزلا ، فمن فاته منها منزل فاته من العلم بحسب ذلك . 

قال عبد الله بن المبارك :

(أول العلم النية ، ثم الاستماع ، ثم الفهم ، ثم الحفظ ، ثم العمل ، ثم النشر" فهذه أيها المؤمنون ستة مراتب للعلم عظيمة ما أحوج طلاب العلم صغارا وكبارا إلى تحقيقها علما وعملا .. فهما وتطبيقا .

والعلم عنه يُسأل العبد يوم القيامة :

(لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ) ذكر منها عليه الصلاة والسلام :

(وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ).

 ولهذا ينبغي أن يُعلم : أن مقصود العلم العمل ، وأن غايته العمل به ؛ فمن حُرم العمل حُرم حظه ونصيبه من العلم ، لأنه حرم من غاية العلم ولهذا قال بعض السلف :

هتف بالعلم العمل فإن أجابه وإلا ارتحل

 والأدب روح العلم وقوامه، وعلم بلا أدب كجسد بلا روح، قال عبد الله بن المبارك:

(كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين).

 والمعين على طلب العلم هو الله وحده ، فالعلم هبة إلهية ومنّة ربانية ولهذا قال الله تعالى:﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا  [ النساء :113 ]

فعلى طالب العلم أن يُكثر من سؤال الله أن يعلمه وأن يفقهه في الدِّين ، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يسأل الله كل يوم إذا أصبح :

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا طَيِّبًا ، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً)

كان يقول ذلك كل يوم بعد صلاة الصبح إذا سلَّم ، وكان عليه الصلاة والسلام يتعوّذ بالله من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع . والعلم غير النافع : هو ذاك العلم الذي لا ينتفع به صاحبه ، أو ذاك العلم الذي هو ضار في نفسه . فليحذر طالب العلم من الأمرين ، وليحرص على أن تكون علومه كلها نافعة مقرِّبة إلى الله جلَّ وعلا .

تعليقات