الدعاء
مقدمة:
إن من أسباب الصلاح والإصلاح والفلاح، وتتابُع الخيرات، وصرف النوازِل والعقوبات، ورفع المصائب الواقعة والكُربات: الدعاءَ بإخلاصٍ، وحضور قلبٍ، وإلحاح، فالله عزوجل يُحبُّ الدعاء ويأمر به.
الدعاء هو أن يطلب الداعي ما ينفعه وما يكشف ضره؛ وحقيقته إظهار الافتقار إلى الله، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود والكرم إليه.
وهو الابتهال إلى الله بالسؤال، والرغبة فيما عنده من الخير والتضرع إليه في تحقيق المطلوب، والنجاة من المرهوب. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: هو طلب ما ينفع الداعي وطالب كشف ما يضره أو دفعه.
والدعاءُ هو العبادة، كما في حديث النُّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: (الدعاءُ هو العبادة)
_رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
(ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء)
_رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وقال: "صحيحُ الإسناد".
والدعاء مُرغبٌ فيه في كل وقتٍ، فهو عبادةٌ يُثيب عليها الربُّ أعظم الثواب، وهو مُحققٌ للمطالبِ كلِّها الخاصَّة والعامَّة، الدينية والدنيوية، في الحياة وبعد الممات.
والدعاءُ ينفع مما نزل ومما لم ينزل، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
..........................
أقسام الدعاء:
ينقسم الدعاء إلى قسمين:
١ _دعاء العبادة :
هو الشامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة.
٢_دعاء المسألة: أن يطلب الداعي ما ينفعه وما يكشف ضره.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
(كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة).وهذه قاعدة نافعة،
إن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء، والدعوة دعاء المسألة فقط ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء. وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه، فإن الآيات صريحة في شموله لدعاء المسألة ودعاء العبادة.
وقد أشار الإمام ابن القيم أن دعاء المسألة ودعاء العبادة متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة. ودعاء الله تعالى شفاء للقلوب وسعادة في الدارين. فلا غزو أن تداوي به العارفون .. ولزم محجته المتقون.
قال عبد الله الأنطاكي رحمه الله:
( دواء القلب خمسة أشياء: مجالسة الصالحين، وقراءة القرآن، وإخلاء البطن من الحرام، وقيام الليل، والتضرع عند الصبح).
وقال ابن القيم رحمه الله:
(والدعاء من أنفع الأدوية؛ وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه، أو يخففه وهو سلاح المؤمن).
إن أعظم ما في الدعاء أنك تناجي فيه ملك الملوك؟ من ليس كمثله شيء، من بيده ملكوت كل شيء. فلا أحد يحجبك عن مناجاته. ولا واسطة، ولا شيء يحجب صوتك .. فلتجعل دعاء الله تعالى طريقك إلى رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء.
من فضائل الدعاء لو لم يكن للدعاء من الفضائل إلا قربك من مولاك تعالى لكفى؛ فكيف وللدعاء من الفضائل والبركات الشيء الكثير؟ وأول هذه الخيرات ما يجد الداعي من صلاح القلب: ،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(وإذا دعا العبد ربه بإعطاء المطلوب ودفع المرهوب؛ جعل له من الإيمان بالله ومحبته ومعرفته وتوحيده ورجائه وحياة قلبه واستنارته بنور الإيمان ما قد يكون أنفع له من ذلك المطلوب إن كان عرضًا من الدنيا الدعاء امتثال لأمر الله فالداعي ممتثل لأمر الله تعالى؛ إذ قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (غافر: 60)
..............
قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين". [سورة غافر: الآية 60]
قال صلى الله عليه وسلم :(الدعاء هو العبادة)_رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
قال صلى الله عليه وسلم :(ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء)_رواه أحمد والبخاري، وابن ماجة، والترمذي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
الدعاء سبب لرضا الله عن العبد:
قال صلى الله عليه وسلم:(من لم يسأل الله يغضب عليه)_رواه الترمذي، وابن ماجة، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني.
قال صلى الله عليه وسلم:(أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام)_رواه ابن حبان وصححه الألباني
قال صلى الله عليه وسلم:(من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئا يعني أحب إليه من أن يسأل العافية وقال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء)_رواه الترمذي وحسنه الألباني.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني)_رواه مسلم.
قال صلى الله عليه وسلم:(أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء)_رواه مسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة)_رواه مسلم
قال صلى الله عليه وسلم:(ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك : ولك بمثل)_رواه مسلم.
فضل الدعاء بنصر الحق ودحض الباطل:
والدعاء بنصر الحقِّ ودحضِ الباطل نُصحٌ لله ولكتابه ولرسولِه ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم، فلا يزهَدُ في الدعاء ولا يهجُرُه إلا من أضاعَ حظَّ نفسِه في الدنيا والآخرة، وأضاعَ ما يجبُ عليه للإسلام والمُسلمين، وفي الحديث:(من لم يهتمَّ بأمرِ المُسلمين فليس منهم)
فضل الدعاء لنزول الخيرات والبركات، ودفع الشرِّ أو رفعه عن الداعي.
والداعي أقوى الأسباب للخروج من الشرِّ الذي وقع، والمكروه الذي حلَّ: قال الله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83، 84]،
وقال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62]؛ أي: لا أحدَ يفعلُ ذلك إلا الله تعالى.
وقال تعالي: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 63].
الدعاء عبادة في تحقيق العبادة الله تعالى والتي هي الغاية العظمى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)
_رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
الدعاء محبوب إلى الله تعالى ؛
الداعي متقرب إلى الله تعالى بشيء يحبه، وكريم لديه.قال صلى الله عليه وسلم:
(ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)
_رواه الترمذي وأحمد .
قال الزبيدي رحمه الله : وإنما صار الدعاء كريمًا على الله: لدلالته على قدرة الله وعجز الداعي. الدعاء سبب لانشراح الصدر وفي الدعاء دواء وبلسم شافي لأدواء الصدور من الهموم والغموم والأحزان وضيق الصدر؛ وفي الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأدعية المعينة على انشراح الصدور وزوال أحزانها.
الدعاء ثمارة مضمونة :
من أكثر من دعاء الله تعالى نال ثماره لا محالة؛ إما في الدنيا وإما في الآخرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:( ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها)قال: إذا نكثر! قال: الله أكبر” _رواه البخاري.
الدعاء يدفع البلاء :
وهذه فضيلة عظيمة من فضائل الدعاء غفل عنها الكثيرون. قال صلى الله عليه وسلم : ” من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعطى أحب إليه من أن يُسأل العافية؛ إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل؛ فعليكم عباد الله بالدعاء” .
_رواه الترمذي .
الدعاء سبب للثبات والنصر :
قال الله تعالى: { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 250].
فكان عندها النصر والظفر: { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } [البقرة: 251[.
الدعاء مفزع المظلومين الدعاء سلاح المظلومين .. ومفزع المكسورين:
وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: “واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” . (رواه البخاري ومسلم ).
للدعاء منافع عظيمة :
فبالدعاء تُستقبلُ الشدائدُ والكُرُبات إذا لم يقدِر البشرُ على دفعها، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاء، ولا يزيدُ في العُمر إلا البرُّ، وإن الرجلَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يُصيبُه)
_رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وقال: "صحيحُ الإسناد".
وتشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء مع تظاهُر الفتن وكثرتها، وحُلول الكوارِث المُدمِّرة، ونزول الكُرُبات بالمُسلمين، وظهور الفِرَق المُبتدِعة التي تُفرِّقُ صفَّ المُسلمين، وتستحلُّ الدماءَ والأموالَ المعصومة، وتجفُوا العلمَ وأهلَه، وتُفتِي بالجهل والضلال.
وعن ابن عُمر رضي الله عنهما،عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الدعاءَ ينفعُ مما نزل، ومما لم ينزِل، فعليكم - عباد الله - بالدعاء)
_رواه الترمذي والحاكم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله تعالى يقول: أنا عند ظنِّ عبدِي بي، وأنا معه إذا دعاني)
_رواه البخاري ومسلم.
وكذلك ثناء الله على الذين يدعُونه، ويتضرَّعون إليه إذا نزلَت بهم الخُطوب والشدائِد، قال الله تعالى:
(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157].
وقال عز وجل عن يونس عليه السلام :
(فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].
وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(دعوةُ ذي النُّون إذ دعاه وهو في بطن الحُوت، لم يدْعُ بها رجلٌ مُسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجابَ الله له)
_رواه أحمد والترمذي والحاكم، وقال: صحيحُ الإسناد.
ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثقيفًا إلى الإسلام، ردُّوا عليه دعوتَه، ورمَوه بالحجارة حتى أدمَت عقِبَيْه، فدعا ربَّه قائلاً:
(اللهم أشكُو إليك ضعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! إلى من تكِلني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمُني، أم إلى عدوٍّ ملَّكتَه أمري؟ إن لم يكُن بك غضبٌ عليَّ فلا أُبالِي، ولكن عافيتُك أوسعُ لي، أعوذُ بنور وجهِك الذي أشرقَت له الظُّلُمات، وصلُح عليه أمرُ الدنيا والآخرة أن يحِلَّ بي غضبُك، أو ينزِل بي سخَطُك، لك العُتبَى حتى ترضَى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك).
فكم من دعوةٍ غيَّرَت مجرى التاريخ من شرٍّ إلى خير، ومن حسنٍ إلى أحسن، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة: 129].
عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله! ما كان بدءُ أمرك؟ قال:(دعوةُ أبي إبراهيم، وبُشرى عيسى، ورأَت أمي أنه خرجَ منها نورٌ أضاءَت له قُصورُ الشام، وكذلك أمهاتُ الأنبياء يرَيْن)_رواه أحمد.
ودعوةُ نوحٍ عليه الصلاة والسلام كانت خيرًا ونجاةً للمُؤمنين المُوحِّدين، وشرًّا على المُشرِكين وهلاكًا.
ودعوةُ عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين يُحصَرون في الطُّور في آخر الزمان، تكون نصرًا للمُسلمين، وهلاكًا ليأجوج ومأجوج الذين هم كالجراد الذي يعمُّ الأرض، شرُّ الخلق والخليقة، وأشدُّهم فسادًا وطُغيانًا وجبروتًا.
وفي حديث النوَّاس بن سَمعان رضي الله عنه بعد قتل
عيسى صلى الله عليه وسلم للمسيح الكذاب الدجَّال الذي يعيثُ في الأرض فسادًا، يقول في الحديث: (إذ أوحَى الله تعالى إلى عيسى صلى الله عليه وسلم : أني قد أخرجتُ عبادًا لي، لا يَدانِ لأحدٍ بقتالهم - أي: لا طاقةَ لأحدٍ بهم ، فحرِّز عبادي إلى الطُّور، ويبعثُ الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدَبٍ ينسِلُون، فيمُرُّ أوائِلُهم على بُحيرة طبريَّة فيشرَبون ما فيها من ماءٍ، ويمُرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بهذه مرَّةً ماء.
ويُحصَرُ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه بالطُّور، حتى يكون رأسُ الثَّور لأحدهم خيرًا من مائةِ دينارٍ لأحدِكم اليوم، فيرغَبُ نبيُّ الله عيسى صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه إلى الله عز وجل فيدعُونه، فيُرسِلُ الله عليهم النَّغَف في رقابهم - وهو الدُّود -، فيُصبِحون موتَى كموتِ نفسٍ واحدةٍ.
ثم يهبِطُ نبيُّ الله عليه الصلاة والسلام وأصحابُه إلى الأرض، فلا يجِدون في الأرض موضِع شِبرٍ إلا ملأَه زهَمُهم ونَتنُهم، فيرغَبُ نبيُّ الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابُه إلى الله يدعُةونه، فيُرسِلُ الله تعالى طيرًا كأعناقِ البُخْت، فتحمِلُهم فتَطرحُهم حيث شاءَ الله)_رواه مسلم.
ودُعاءُ النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم سيِّد البشر وأصحابِه في بدرٍ، كان نصرًا للإسلام إلى الأبَد، وخذلانًا للكفر إلى الأبَد، قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9].
ودعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم وألحَّ في الدعاء ببدرٍ حتى سقطَ رداؤُه، فالتَزَمه أبو بكرٍ من وراءِه رضي الله عنه -، وقال: كفَى مُناشدتُك ربَّك يا رسول الله، فإن الله مُنجِزٌ لك ما وعدَك، فقال: «أبشِر يا أبا بكر، هذا جبريلُ عليه السلام يزَعُ الملائكة، على ثناياه النَّقْع».
ولم تُقاتل الملائكةُ مع نبيٍّ قبلَه، خُصَّ بذلك لكمال فضلِه عليه الصلاة والسلام ، وقوَّة يقينه وتوكُّله على الله، وإخلاصِ أصحابِه رضي الله تعالى عنه.
وعليك أن ترغبَ إلى الله في إصلاح شأنك كلِّه، وأن ترفع إلى ربك حوائجك كلَّها، وتسألَه كلَّ شيءٍ، وأعظمُ مطلوبٍ الجنة والنجاة من النار، قال الله تعالى في الحديث القُدسيِّ:(يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستَهدوني أهدِكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستَطعِموني أُطعِمكُم، يا عبادي! كلُّكم عارٍ إلا من كسَوتُه، فاستَكسُوني أكسُكم، يا عبادي! إنكم تُخطِئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفِروني أغفِر لكم)_رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه.
ومعناه: اسأَلُوني الهدايةَ والإطعامَ والكسوةَ والمغفرةَ.
وفي الحديث:(ليسأَل أحدُكم ربَّه حتى شِسْع نعلِه ومِلحَ طعامه)
..............
آداب وشروط الدعاء :
فمن شروط الدعاء: أكلُ الحلال، ولُبس الحلال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقَّاص:(يا سعد! أطِب مطعمَك تُستجَب دعوتُك).
ومن شروط الدعاء: التمسُّك بالسنَّة، والاستِجابةُ لله تعالى بفعلِ أوامره واجتِناب نواهِيه، فمن استجابَ لله استجابَ الله له، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]،
وقال تعالى: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الشورى: 26].
وأما المظلُوم فيُستجابُ له ولو كان كافرًا أو مُبتدِعًا.
ومن شرط الدعاء: الإخلاصُ وحُضور القلب، والإلحاحُ على الله، وصِدقُ الالتجاء إلى الربِّ تعالى، قال - سبحانه -: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [غافر: 14].
وفي الحديث:(لا يقبلُ الله الدعاءَ من قلبٍ ساهٍ لاهٍ غافلٍ).
ومن آداب الدعاء وشروط قبوله: ألا يستعجِل الإجابة، بل يصبِرُ ويُداوِمُ على الدعاء، ففي الحديث:(يُستجابُ لأحدكم ما لم يعجَل، يقول: دعوتُ فلم يُستجَب لي) _رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه .
ومن شروط الدعاء:ألا يدعُو بإثمٍ ولا قطيعة رحِم، وألا يعتدِيَ في الدعاء.
..................
أسباب إجابة الدعاء:
ومن أسباب إجابة الدعاء: الثناءُ على الله تعالى بأسمائِه الحُسنى وصفاته العُلى، والصلاةُ على النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سمِع رجلاً يقول:(اللهم إني أسألُك بأني أشهدُ أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكُن له كُفُوًا أحد، فقال: "لقد سألتَ اللهَ بالاسمِ الأعظَم الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعيَ به أجاب")
_رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديثٌ حسن، وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث بُريدَة رضي الله عنه .
وعن فُضالة بن عُبيد رضي الله عنه قال: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ، إذ دخل رجلٌ فصلَّى، فقال:(اللهم اغفِر لي وارحَمني، فقال عليه الصلاة والسلام : «عجلت أيها المُصلِّي، إذا صلَّيتَ فقعدتَ فاحمَد الله بما هو أهلُه، وصلِّ عليَّ، ثم ادعُه»)_رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديثٌ حسن.
وفي حديثٍ آخر:(إن الدعاءَ مُعلَّقٌ بين السماء والأرض حتى يُصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم )
فدوامُ الدعاء معه الإجابة، وفي الحديث: (ما على وجهِ الأرض رجلٌ مُسلمٌ يدعُو الله بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرفَ عنه من السوء مثلَها ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحِم»، فقال رجلٌ: إذًا نُكثِر؟ قال: الله أكثر)_رواه الترمذي، وقال:حديثٌ حسنٌ صحيح.
ورواه الحاكم من رواية أبي سعيدٍ، وزادَ فيه: (أو يدَّخِرُ له من مثلِها).
إذاً على المُسلم أن يتحرَّى أوقات الإجابة، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الدعاء أسمَع؟، قال: (جوفُ الليل الآخر، ودُبُر الصلوات المكتوبات)_رواه الترمذي، وقال:حديثٌ حسن، من حديث أبي أُمامة رضي الله عنه.
وفي الحديث:(ينزِلُ ربُّنا إلى السماء الدنيا ثُلُث الليل الآخر، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائلٍ فأُعطِيَه؟ هل من مُستغفرٍ فأغفر له؟)_رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وبين الأذان والإقامة لا يُردُّ الدعاء، وفي الحديث: (أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجِد، فأكثِروا الدعاءَ)_رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
وعند رؤية الكعبة، وعند نزول الغيث، وعند الاضطرار، وبعد خَتم القرآن، وبعد الصدقة
عقاب ترك الدعاء:
كما ذمَّ الله الذين يترُكون الدعاءَ عند نزول العقوبات، وتظاهُر الفتن والكُرُبات، قال تعالى:
(وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون: 76].
وقال تعالي:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42، 43].
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94].
الخلاصة:
ما أعظم سعادة وفلاح وأجر من عكف قلبُه على الله تعالى, يدعوه ويرجوه ويتوكَّلُ عليه، ويستعينُ به، ويُلِحُّ الدعاءَ على الله، وما أشقى وما أشدَّ شرك وكُفرَ من يدعُو الأضرحة والقبور وأصحاب القبور، أو يستغيثُ بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو الأولياء، أو يدعُوهم من دون الله تعالى، أو يرفع حاجاته لمَلَكٍ مُقرَّب، أو نبيٍّ مُرسَل. فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاؤوا لدعوة الناس أن يخُصُّوا الله تعالى بالدعاء، ويُفرِدوه وحدَه بالعبادة والدعاء.