مقدمة:
يغتر بعض الناس بالمظاهر التي يتلبس بها من لا خلاق له ، ونحن لا نعلم ببواطن الشر ، ولكن الله تعالى يظهر تلك البواطن على فلتات اللسان ، وقسمات الوجه ، ويخرج ما يكتمون ، وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : من أسرَّ سريرة كساه الله جلبابها.
قال اللص للدينوري : عجّل عليَّ ، فقام المكروب يصلي فأرتج عليه القرآن ونسيه كله من هول الموقف ، إذ السيف على رأسه واللص يقول عجل قبل أن يكبر وعند التكبير وبعد التكبير وفي كل لحظة فما تذكر من القرآن شيئًا حتى الفاتحة يقول :فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول : هيه أفرغ ، فبينما أنا فيه همّ وضيق ألقى الله على لساني :
قال القرطبي رحمه الله عند قول الله: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)[النمل: 62]؛
ضمن الله إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجأ ينشأ عنه الإخلاص وقطع القلب عما سواء، وللإخلاص عنده موقع وذمة؛ سواء وُجِدَ هذا الاضطرار من مؤمن أو كافر أو بر وفاجر.
فيا أهل الحاجات؛ الله يقول في كتابه: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرحمن:29]، فارفعوا لله دعواتكم، فهو جَلَّ جلاله الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، أحاط بصره بهم، وعلمه بنيّاتهم، وأحاط غناه بفقرهم، وقدرته بعجزهم.
يدعوه الغريق في غرقه والمظلوم في حاجته، والمسجون في سجنه، والمريض في مرضه،
والمكروب في كربته فيجيب عباده فيغفر ذنبًا ويستر عيبًا، ويكشف كربًا، ويجبر كسيرًا ويغني فقيرًا،
ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويكسو عاريًا ويجزي محسنًا، وينصر مظلومًا، ويقصم ظالمًا يفرّج همًّا ويشبع جائعًا ويرشد حيرانًا،
ويغيث لهفانًا، وييسر عسرة ويستر عورة ويؤمن روعة ويرفع أقوامًا.
أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر ، فمالوا إلى غار في الجبل ، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها ؛ لعله يفرجها
فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم ، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ، وإنه ناء بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحليب فقمت عند رأسيهما ، أكره أن أوقظهما من نومهما ، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون عند قدمي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج لهم فرجة.
وقال الثاني : اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها ، فأبت حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها فلما قعدت بين رجليها ، قالت : يا عبد الله ، اتق الله ، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها ، اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها ، ففرج لهم فرجة.
وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا لم أعرفه ، فلما قضى عمله قال : أعطني حقي ، فعرضت عين حقه ، فتركه ، ورغب عنه ، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا وراعيها ، فجاءني وقال : اتق الله ولا تظلمني ، وأعطني حقي ، فقلت : اذهب إلى تلك البقر وراعيها ، فقال : اتق الله ولا تهزأ بي ، فقلت : إني لا أهزأ بك فخذ تلك البقر وراعيها ، فأخذه فانطلق ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي ، ففرج الله عنهم».
أم شريك هي صحابية مختلف جدا في نسبها وهبت نفسها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة ، وهي إحدى نساء قريش ثم إحدى بني عامر بن لؤي ، وكانت تحت أبي العسكر الدوسي فأسلمت ، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام ، حتى ظهر أمرها لأهل مكة ، فأخذوها وقالوا : لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ، ولكن سنردك إليهم ،